حظة النقيضين
منذ أمد بعيد تعلمت أن النقيضين لا يجتمعان معا ولا
يرتفعان الآن أقول: أن هذه القضية غير صادقة ، لأنني أري النقيضين معا
يتجسدان في أحشائي كل يهتف بي ، يؤكد ذاته ، يتضارب ، يصرخ ، ينادي ، أنا
بداخلك وأنت بداخلي ، وكلنا لن يتخلي عن الآخر ، النقيض يحيي نقيض يجسده
يتدرج به ، ينمو ينميه ، يحركه يجعله يتهادي في عز الألم ، ويبكي في أحشاء
الفرح ، يقنط في لحظة ابتسم فيها شفاه القلوب ، يجزع وسط شموع الأفراح ،
يقنط وهو يعوم فوق هدير الأمل ، الألم يسحب الفرحة من مهدها ، والعروس
من ثوبها ، والعريس من ليلته ، يسحبهما ببساطهما ، الفرح إلي حيث يرتسم
المأتم ، ويعلو الصريخ ، حيث تتهادي الأيتام بكاء لرحيل الأب لحظة كون
الشقيق عريسا ، وتطعن الأم خنجرا في فلذة كبدها ، في لحظة صنعت لابنها من
قلبها كوشة العرس ، تنظر إلي ابنها تارة بالثوب الأبيض ، وإلي عروسه التي
تزينت واسود زخرف ليلتها ، وطارت إلي الجسد الطريح ، وإلي الملاذ تنتقل من
أم عروس لحظة عرس ابنها ، إلي أرملة تفقد رفيق عمرها ، من فرحة ابنها إلي
يتم أولادها ، فهي زائغة البصر مترددة ، كيف إلهي رحماك بي أعيش معا
النقيضين ؟! كيف تستبدل الذغروتة بصرخة ؟! والابتسامة بأسي ، والسعادة
بشقاء ، وأمان الفرحة بخوف الموت ، إلهي أنت تمنح الأقدار ، كيف قدرت لي
ولماذا منحتني ؟! إلهي إني أناجيك وراضية بقضائك ، إلهي ما أفدح عطاء
الترميل لحظة عرس الأبناء ، وما أفجع مصائب الدهر وسط شموع الأفراح ، وما
أدهي وأمر وأضل من ضباب الرحيل وسط شعلة اللقاء بالمعازيم ، ماذا أقول
لابني وقد صرخت في فرحته قائلة ، بني زين عرس الصبا ، رد عليها بأي شيء أذ
ينه ياأماه ، بزغروتة عرسي أم بصرخة رحيل أبي ؟ رباه : احتضن ابني أباركه
لا أم أعزيه ؟ رباه أحمل شمعة فرحة ابن بين يدي أم أطفئها لأرتدي ثوب
الحداد علي أبيه ، رباه أربت فوق كتف ابني أقبل عروسته ،أم أجري لأرافق
لحظة وفاة زوجي ، رباه أضحي عرس ابني مأتما ، أم أحمل علي رأسي شيئا يواري
فرحة ابن لوفاة أبيه .
رباه منحتني النقيضين معا فكيف جمعتهما ؟! بسمة
وشقاء ، فرح وحزن ، رباه أسئلك ، اسئلك بحق عطائك أن تعطيني من به أعيش
لحظة النقيضين وأن تجملني بالصبر ، وأن أرضي بقضائك خيره ، وشره حلوه ومره ،
( وإنا لله وإنا إليه راجعون ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق