مجلة أدبية تهتم بكافة انواع الادب من شعر ونثر وقصة ومقالات وما الى ذلك

الأحد، 6 مارس 2016

محاكمة الأله // بقلم الشاعر ا / رائد المهدي



قصة قصيرة
((محاكمة الأله))
اكتملت اجرائات الشكوى التي تقدّم بها فئة غير قليلة من البشر وقررت المحكمة استدعاء الأله للحضور أمام القضاء ليكون المشتكون على بصيرة من امرهم وليرفع عن نفسه التهم المنسوبة اليه وليبدد حيرتهم. واختتمت مذكرة الاستدعاء بعبارة نحن لانملك سلطة من خلالها نجبرك على المجيء لكنك ان كنت منصفا وتؤمن بأن للآخرين الحق ان يفهموا ويخلصوا من حيرتهم وشكوكهم. وبناء على ذلك تواضع الأله وحضر امام القضاء الانساني حضر في اذهانهم وأشعر الجميع بحضوره وبدأ ينصت لما يقوله المدعي العام البشري وبدأ بتلاوة مجموعة من الاسئلة وطلب منه الاجابة على كل سؤال وقبل البدء بالأسئلة قال القاضي : بأمكانك ايها الاله توكيل محامي يترافع عنك امامنا او تدع المحكمة تنتدب لك محام ذكي يرفع عنك التهم. لكن الأله اصر بأنه ليس بحاجة لأي محام وكان واثقاً جداً بنفسه .فبدأت الأسئلة :
س 1 / لماذا خلقت الانسان دون اذن منه وجئت به الى هذا العالم المليئ بالألم رغماً عنه?
ج 1 / لم اخلق شيئاً من لاشيئ وكل من اخبركم بأني افعل هذا فهو كذاب او مشتبه. وكل مافعلته للانسان هو اني قمت بأظهاره هنا في هذا العالم. واظهار الشيئ لايعني تكوينه بل تسليط الضوء عليه فيرى نفسه ويراه الآخرين .واظهرته هنا لمصلحة الوجود العامة. وارادة الجزء تخضع لأرادة الكل .وأما وجود الانسان الحقيقي فهو ضمن منظومة الوجود الازلية التي انا اديرها واظهر فيها من اريد بالوقت الذي اريد وبالمكان الذي اريد ولا يعتري منظومة الوجود اي فناء. كل مافي الامر هو اظهار واخفاء ومايختفي هنا فهو يظهر هناك فالماء يختفي من المحيط ليكون غيوم ويهبط في الصحراء مطراً مكانه جوف الارض فهو انتقل من... الى ... اختفى من ... وظهر في ...وكذلك الانسان هو الآن ظاهر هنا ومختف من هناك وسيختفي يوما من هنا ليظهر هناك لأنه موجود وينتقل اينما تكون الحاجة له في عالم الوجود الذي هو لي منذ الازل واعمل به ومن خلاله منذ الازل.
س 2 / لماذا انت مختف عن الانظار ومحتجب عن حواسنا مما شجع الكثيرين على انتحال صفة ممثلين لك ومرسلين من قبلك الى البشرية وتعددت العبادات وتنوعت الطقوس. واختلفت الكتب والاحاديث عن مصير الانسان وعن مايحدث له بعد موته. ولو كان لك حضور لما حدث كل هذا اللغط واختلط الحق بالباطل ولاتدري الناس مع من الحق ومن يمثلك فعلا ومن هم المنتحلين. وكل تراه فخور بدينه الحق?
ج 2 / حواس الانسان كلها في خدمة وجدانه وكلها تحت سلطة الضمير الذي يملك الحق في تأنيب الوجدان وجلده بسياط العتب والحسرة والندامة. نعم ايها البشر انا اختفيت عن حواسكم لأظهر في ضميركم ولأشرق على وجدانكم الغائم في معظم الاحوال بأهتمامات شخصية والذي لايخلو من عواصف غبار الحسد والحقد ولايفارقه ضباب التركيز على الذات والشفقة عليها معظم فصول السنة. لذا انا ظاهر فيكم واكلم اشرف مافيكم وهو ضميركم لكنكم لاتسمعوني معظم الاحيان بل تسمعون اصوات اللهو والغضب والشهوات. فلامجال لكم لسماعي وادراك اهتمامي بكم وتواصلي معكم منذ وجدتم.
س 3 / لماذا احتفظت بالقوة والقدرة لنفسك وجعلت الانسان ضعيفا بهذا الشكل وبقدرات محدودة ومقهورا لسلطة كثير من الكائنات والظروف الطبيعية?
ج 3 / قد انعمت على الانسان بلذائذ لم ولن تكون لي فرصة التلذذ بها. ومنها لذة التحدي و لذة الانتصار والتي لايبلغها احد الا عندما يتحدى شيئا بمستواه او اقوى منه فالبشر يتحدّون بعضهم وينتصرون على بعضهم وعلى انفسهم في بعض الاحيان بينما انا القوي الكامل التام لا يوجد امامي من اتحداه او انتصر عليه ومحروم من الاحساس بتلك النشوة الروحية التي وهبتها لغيري (الانسان) ولم اعشها يوما وانا الأحق بها. وبالرغم من قدرتي على صنع آلهة اخرى لأتحداهم وانتصر عليهم لكنه سيكون من السخف والحمق ان اتحدى شيئا انا اظهره واعرف كل نقاط ضعفه سيكون من الحمق الشديد انتصاري عليه ولن اشعر بلذته لأنه سيكون انتصار احتيالي مسرحي لا اكثر.
س 4 / لماذا عالمنا مليئ بالظلم وارادتك تقف موقف المتفرج ازاء مايجري من ظلم وقهر وارهاب وكبت وسلب وتدمير وجوع وحروب وما هو سر سكوتك ازاء مايجري ولا تحرّك ساكناً ?
ج 4 / من البديهيات التي لاتقبل الشك هو أزاحة الارادة الاقوى للارادة الاضعف لاحظوا لو وضعتم قطعة حديد في قدح سوف تقوم بأزاحة الماء الى الاعلى وتسلبه مكانه وقد يطرح خارج القدح ويمضي لمكان آخر ونفس الشيئ حيث تزيح الامواج العاتية القوارب الصغيرة التي هي بمحركات ضعيفة وتزيح الرياح بذور الحنطة .كذلك الظالمين هم يزيحون الناس الى الأعلى وهذا الاعلى هو الفكرة الاعلى التي يكون الانسان بها بحال يبدو له الظالم جاهل وسفيه ويحتاج للشفقة لضعة مستوى مداركه وانحطاط افقه العقلي فأزاحة الظالم للمظلوم ترفعه للنضوج العقلي الذي هو في الاعلى دائما. ايضا ليس مهمّاً ازاحة الظالم للمظلوم جانباً لأن المهم بالامر هو مالذي سيتوجه اليه المظلوم بعد ازاحته لتلك الجهة وفي كل جهة يزاح اليها الانسان مكاسب ومسؤوليات ولا تخلو جهة منها ابداً ولو كانت في قعر جهنم.
واخيراً صارت الكلمة للقاضي فنطق بالحكم قائلاً :
ألأله بريء من التهم الاربعة المنسوبة اليه. والمشتكون لايزالون يعانون من بعض الجهالة ولادينونة على جاهل بل للعالِم.
وعندها هرع بعض انصار الأله بأذهانهم ليكرّموه لمناسبة حججه القاطعة التي اكتسحت تساؤلات الناس بقوة الاقناع .عندها شكرهم الأله و توجه الى المشتكين ليمنحهم شهادة الحب والتقدير لشجاعتهم بالتفكير وجرأتهم بأعلان شكواهم واعتراضهم على كل امور تبدو لهم مبهمة او محيرة ومربكة لعقولهم .
رائد مهدي / العراق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق